
«تاروت» الجزيرة المتربعة على ساحل الخليج العربي، وإحدى مكونات واحة القطيف، هي الرابعة بين جزر الخليج مساحةً، لها تاريخ يعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد.
وهي إذ ذاك لا تتميز بوجود آثار تعود إلى آلاف السنوات فحسب، بل بوجود كمية من المتروكات الأثرية ثرية ومتنوعة وفريدة من نوعها على مستوى الخليج، وبشهادة المتخصصين تكدست تلك الآثار بشكل ملفت للنظر مما جعلها من أهم مناطق الآثار في الخليج العربي طبقًا للباحث والمؤرخ سلمان آل رامس.
تراث تاروت وبلداتها …
« آل رامس» قال إن جزيرة تاروت بكاملها تعد موقعًا أثريًا يحوي عددًا من المواقع المهمة في الرفيعة، والربيعية، والزور، ودارين، وفريق الأطرش، والمعينة من قبل الإدارة العامة للآثار والمتاحف، وتعد شواهد تنتمي إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
وذكر أن أعمال المسح الأثري بدأت عام 1384هـ/ 1964م، نفذتها البعثة الدنماركية بمسح عام لجزيرة تاروت، عثرت خلالها على كميات كبيرة من الملتقطات السطحية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، من كسر الأواني، والحجر الصابوني ،والفخار الأحمر، وأواني فخارية، وأختام.
«تاروت» في عيون الغرب والباحثين …
وأشار إلى أهم من أجرى دراسة لجزيرة تاروت وكتب عن آثارها هو«جفري بيبي» رئيس البعثة الدنماركية، ونشر نتائج هذا العمل في تقرير أولي عام 1973م، ثم نشر هذا العمل في كتابه (البحث عن دلمون) عام 1984م، والبرفسور «دانيال بوتس» من أهم المتخصصين في الآثار الذين درسوا المنطقة والبحرين، له كتاب بعنوان الخليج العربي في العصور القديمة.
وتابع، في عام 1972م اهتم «عبدالله حسن مصري» بدارسة آثار جزيرة تاروت ضمّنها في أطروحته لدرجة الدكتوراه، ونشر رسالته عام 1974م، كما قدمت الباحثة الغربية بسنجر (constance maria piesinger) أبحاثًا عن جزيرة تاروت والمنطقة لجامعة (Wisconsin madison ).
تاريخ عريق كشف عنه التنقيب…
وبيّن الباحث «آل رامس» أن الإدارة العامة للآثار والمتاحف عام 1411هـ نفذت أعمال التنقيب في جنوب غرب تل الربيعية بجزيرة تاروت برئاسة علي المغنم، كشفت عن بعض المواد الأثرية المعدنية، والزجاجية وأدوات الزينة، والأواني الفخارية التي تنتمي إلى فترات زمنية مختلفة، واتضح من أعمال الحفر أن التل يحتوي على مدفن رئيسي يتصل بمدافن جانبية داخل نطاق الجدار الجانبي، وأهم ما اكتشف بهذه المقبرة مجموعة من الكسر الفخارية والتي تعد من أهم الأدلة الوثائقية على تاريخ المدافن، وتحديد فتراتها الزمنية بعد أن أصبح الفخار من أهم المرفقات الجنائزية التي تصاحب الميت.
ويضيف، عثر على كِسر متفحِّمة تحتوي على أجزاء عظمية بداخلها طبقة محتـرقة غـير منتظمة في طبقـات الدفـن بهذه المقـبرة، وهو دليل على ممارسة إحراق الموتى قبل دفنهم، وهو أسلوب متبع في العصر البرونزي القديم، وقد عثر عليه في (خربة الكرك ) عند بحيرة طبرية، وفي بعض مدافن باب الذراع المستطيلة وأريحا وتل الجزر جنوب فلسطين، وربما هذا يؤيد ما يراه الباحثون عن أصل الفينيقيين واعتبارهم مهاجرين من جزيرة تاروت وعراد في الخليج العربي.
وأفاد أن مجمل الكسر الفخارية التي عثر عليها جنوب الربيعية تمثل أواني فخارية مختلفة الحجم مصنوعة بالعجلة، وبعضها باليد، وتماثل ما عثر عليه بموقع القلعة بتاروت وله صفة المحلية، وهو من النوع الأصفر المخضر، وهذه القطع تشابه قطعًا عثر عليها في موقع أم النصي بواحة يبرين، كما تم العثور على مجموعة من الأواني الفخارية والحجرية، ومزهريات حمراء ومزينة في موقع فريق الأطرش شمال جزيرة تاروت، يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
«الرُفيعة» … مدفن الآثار
ولفت إلى أن موقع الرفيعة من أهم المواقع الأثرية في جزيرة تاروت بل وفي المنطقة ككل، وتقع إلى الجنوب من الربيعية، واكتُشف هذا الموقع صدفة عام 1962م عندما قامت بلدية القطيف بإنشاء طريق يربط جزيرة تاروت بساحل القطيف، وأثناء نقل الرمل من هذا الموقع كشفت معدات الحفر عن بقايا مدافن تلالية قديمة، واشتملت هذه المدافن على مجموعة من التحف، ومجموعة من الأواني الفخارية المصنوعة من الحجر الصابوني والمرمر، و طاسة من الجير الصلصالي تحتوي على رسوم مرجانية، وتحف صغيرة، وهو من المدافن الغنية بالمواد الأثرية، ويُعد من الورش الصناعية للأواني الحجرية المصنوعة من الحجر الصابوني على مستوى المنطقة المكتشفة، و إذا ما استندنا إلى المقارنات الممكنة مع القطع المكتشفة من مقبرة جمدة نصر و المدفن الملكي في أور، و بسبب التشابه الذي تمثله هذه الأقداح البسيطة جدًا المصنوعة من المرمر مع قطع مستخرجة من مدفن يعود إلى نهاية الألف الثالث في تل أبرق بالإمارات العربية المتحدة يمكن أن ترقى أيضًا إلى 2000 قبل الميلاد، كل هذه مؤشرات على مدى العلاقات التجارية والثقافية بين جزيرة تاروت ومجموعة الحضارات المحيطة.
وأضاف، على الرغم من هـذا الدمار الذي تعرض له الموقع فإن دراسته كشفت أنه يضم بقايا آثار استيطان قديم، ومدافن غنية بالمواد الأثرية، وأظهرت الدراسة أن موقع الرفيعة كان يضم ورشًا محلية لصناعة الأواني الحجرية المصنعة من الحجر الصابوني، وهي أوانٍ تمتاز بنقوش وعناصر زخرفية ذات طابع فريد مما يجعل الرفيعة من أهم مراكز صناعة هذا النوع من الأواني الحجرية شرقي الجزيرة العربية.