
تحتضن العديد من محافظات المملكة مساحات كبيرة من المناطق الزراعية القديمة والمستحدثة، ومع التطور العمراني في هذا المحافظات فقد استبدلت عمليا المناطق الزراعية القديمة والتي تقع داخل النطاق العمراني بمزارع كبيرة وحديثة وأكثر تطورا خارج المنطق المأهولة.
بقيت المناطق الزراعية القديمة تنازع بانتظار أجلها، فأصبحت أراضيها ذات قيمة عالية لقربها من العمران ولزيادة الطلب على الأراضي، بينما سببت إجراءات وقوانين المحافظة عليها كرقعة زراعية في تآكل دورها وعدم استثمارها بالصورة المثلى. وهكذا مع مرور الأيام تحولت معظم هذه المناطق الزراعية إلى أماكن مهجورة تلقى فيها مخلفات البناء وغير مسجلة أو منظمة ودون وجود مشروع حقيقي لتطويرها.
والأسوأ من كل ذلك أن بعض هذه المناطق الزراعية تحولت إلى ملجأ وملاذ لبعض الجماعات الإجرامية حيث توفر البيئة الآمنة لهم بعيدا عن الرقابة والمتابعة لكونها غير مخططة ولا توجد بها شبكة إنارة. ويعلن كثيرا عن اكتشاف معامل للخمور وعمليات إجرامية متنوعة كالقتل وفعل الفواحش في هذه المواقع بصورة مستمرة.
في التعامل مع مثل هذه المواقع التي ينبغي تطويرها بصورة مناسبة، كما ينبغي في ذات الوقت المحافظة على مكانتها في الحفاظ على الرقعة الزراعية. فمن أجل ذلك فهناك حاجة ماسة إلى إعادة التفكير في تنظيم وتطوير هذه المناطق بصورة شاملة بحيث يؤدي ذلك إلى تخطيطها وتنميتها بصورة تجعلها أكثر ارتيادا واستمتاعا لملاكها ولعموم المواطنين.
في محافظتي القطيف والأحساء مثلا، توجد مساحات كبيرة من هذه المناطق الزراعية التي لا تقدم أي منفعة ولا يستفيد منها أحد، ولا يتمكن ملاكها من تحويلها لمخططات سكنية. الخيار الممكن هو إعادة تخطيطها أولا بشق الطرق والمنافذ المناسبة فيها، وإيصال الخدمات الأساسية لها وخصوصا الكهرباء، ومن ثم تشجيع أصحابها على الاستثمار فيها كمزارع واستراحات مسجلة وبصورة منظمة وليست عشوائية.
كما يمكن تحويل بعض هذه المزارع إلى مطاعم ومقاهي واستراحات تستقطب الزائرين، وبعضها قابل لأن يتحول إلى منتزه متكامل وخاصة في المواقع التي كانت أماكن لعيون تاريخية وأثرية. كما أن إنشاء مجمعات للمنتجات الزراعية المحلية داخل هذه المناطق يشجع على استمرار الزراعة فيها، فبعضها لا يزال ينتج خضروات وفواكه متميزة نظرا لخصوبة وتميز أرضها، وذلك من شأنه أيضا لم شمل المزراعين المحليين الذين يفترشون تقاطعات الشوارع بحثا عن الرزق.
لا شك أن الأمانات والبلديات مدعوة إلى التخطيط الاستراتيجي لمعالجة مشكلة هذه المناطق الزراعية وتطويرها بالصورة التي تصب في مصلحة المواطنين وتحافظ عليها وتحويلها من مناطق عشوائية وعرة ومهجورة إلى مناطق زراعية جاذبة للزائرين. كما أنها مسئولة عن سرعة معالجة هذه القضايا فهي ليست مواضيع جديدة، والكثيرون سبق وأن طرحوها وطالبوا بها، ولكن الاستجابة لذلك لا تزال بطيئة للغاية ولا تذكر، مما يعني استمرار الأضرار دون تحقيق أي مكاسب للمواطنين.